كتاب: في ظلال القرآن (نسخة منقحة)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: في ظلال القرآن (نسخة منقحة)



وعن عبد الرحمن بن عبدالله عن أبيه رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر. فرأينا حمرة (طائر) معها فرخان لها فأخذناهما. فجاءت الحمرة تعرّش (أو تفرش)- (أي ترخي جناحيها وتدنو من الأرض) فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من فجع هذه بولدها؟ ردوا ولدها إليها. ورأى قرية نمل قد أحرقناها فقال: من أحرق هذه؟ قلنا: نحن. قال: إنه لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار».. أخرجه أبو داود..
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قرصت نملة نبياً من الأنبياء. فأمر بقرية النمل فحرقت. فأوحى الله تعالى إليه: أن قرصتك نملة أحرقت أمة من الأمم تسبح؟».. أخرجه الشيخان.
وهكذا علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه هدى القرآن. ليتذوقوا رحمة الله من خلال مزاولتهم للرحمة.. أليس أنهم إنما يتراحمون برحمة واحدة من رحمات الله الكثيرة؟!
وبعد فإن استقرار هذه الحقيقة في تصور المسلم لينشئ في حسه وفي حياته وفي خلقه آثاراً عميقة؛ يصعب كذلك تقصيها؛ ولابد من الاكتفاء بالإشارة السريعة إليها، كي لا نخرج من نطاق الظلال القرآنية، إلى قضية مستقلة!
إن الشعور بهذه الحقيقة على هذا النحو ليسكب في قلب المؤمن الطمأنينة إلى ربه- حتى وهو يمر بفترات الابتلاء بالضراء، التي تزيغ فيها القلوب والأبصار- فهو يستيقن أن الرحمة وراء كل لمحة، وكل حالة، وكل وضع؛ وأن ربه لا يعرضه للابتلاء لأنه تخلى عنه، أو طرده من رحمته. فإن الله لا يطرد من رحمته أحداً يرجوها. إنما يطرد الناس أنفسهم من هذه الرحمة حين يكفرون بالله ويرفضون رحمته ويبعدون عنها!
وهذه الطمأنينة إلى رحمة الله تملأ القلب بالثبات والصبر، وبالرجاء والأمل، وبالهدوء والراحة.. فهو في كنف ودود، يستروح ظلاله، ما دام لا يُبعد عنه في الشرود!
والشعور بهذه الحقيقة على هذا النحو يستجيش في حس المؤمن الحياء من الله. فإن الطمع في المغفرة والرحمة لا يجرّئ على المعصية- كما يتوهم البعض- إنما يستجيش الحياء من الله الغفور الرحيم. والقلب الذي تجرئه الرحمة على المعصية هو قلب لم يتذوق حلاوة الإيمان الحقيقية! لذلك لا أستطيع أن أفهم أو أسلم ما يجري على ألسنة بعض المتصوفة من أنهم يلجون في الذنب ليتذوقوا حلاوة الحلم، أو المغفرة، أو الرحمة.. إن هذا ليس منطق الفطرة السوية في مقابلة الرحمة الإلهية!
كذلك فإن الشعور بهذه الحقيقة على هذا النحو يؤثر تأثيراً قوياً في خلق المؤمن، وهو يعلم أنه مأمور أن يتخلق بأخلاق الله- سبحانه- وهو يرى نفسه مغموراً برحمة الله مع تقصيره وذنبه وخطئه- فيعلمه ذلك كله كيف يرحم، وكيف يعفو، وكيف يغفر.. كما رأينا في تعليم الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه؛ مستمداً تعليمه لهم من هذه الحقيقة الكبيرة..
ومن مواضع رحمة الله التي تقررها الآية الكريمة: أن الله كتب ليجمعنهم إلى يوم القيامة:
{قل لمن ما في السماوات والأرض قل لله كتب على نفسه الرحمة ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه..}..
فمن هذه الرحمة المكتوبة، ذلك الجمع الذي لا ريب فيه.. ذلك الجمع الذي يشي بما وراءه من عناية الله- سبحانه- بعباده من الناس؛ فقد خلقهم لأمر؛ واستخلفهم في هذه الأرض لغاية، ولم يخلقهم عبثاً، ولم يتركهم سدى.
ولكن يجمعهم إلى يوم القيامة- فهذا اليوم هو نهاية المطاف الذي يفيئون إليه كما يفيء الراحل إلى وجهته- فيعطيهم جزاء كدحهم إليه، وينقدهم أجر عملهم في دار الدنيا. فلا يضيع عليهم كدح ولا أجر؛ إنما يوفون أجورهم يوم القيامة.. وفي هذه العناية تتجلى الرحمة في مظهر من مظاهرها.. كما أن ما يتجلى من فضل الله في جزاء السيئة بمثلها، والحسنة بعشرة أمثالها، والإضعاف لمن يشاء، والتجاوز عما يشاء لمن يشاء.. كل أولئك من مظاهر الرحمة التي تتجلى في هذا الجمع أيضاً.
ولقد كان العرب في جاهليتهم- قبل أن يمن الله عليهم بهذا الدين ويرفعهم إلى مستواه الكريم- يكذبون بيوم القيامة- شأنهم في هذا شأن أهل الجاهلية العلمية الحديثة!!! لذلك جاء التعبير في هذه الصيغة المؤكدة بشتى التوكيدات، لمواجهة ذلك التكذيب:
{ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه}..
ولن يخسر في هذا اليوم إلا الذين لم يؤمنوا في الدنيا.. وهؤلاء لن يخسروا شيئاً ويكسبوا شيئاً.. هؤلاء خسروا كل شيء.. فقد خسروا أنفسهم كلها، فلم يعودوا يملكون أن يكسبوا شيئاً. أليس أن الإنسان إنما يكسب لنفسه؟ فإذا خسر نفسه ذاتها فماذا يكسب؟ ولمن يكسب؟!
{الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون}..
لقد خسروا أنفسهم وفقدوها؛ فلم تعد لهم نفس تؤمن!.. هو تعبير دقيق عن حالة واقعة.. إن الذين لا يؤمنون بهذا الدين- مع عمق ندائه وإيحائه للفطرة بموحيات الإيمان ودلائله- هؤلاء لابد أن يكونوا قد فقدوا قبل ذلك فطرتهم! لابد أن تكون أجهزة الاستقبال والاستجابة الفطرية في كيانهم معطلة مخربة؛ أو محجوبة مغلفة. فهم في هذه الحالة قد خسروا أنفسهم ذاتها، بفقدانهم أجهزة الاستقبال والاستجابة الفطرية الحية في كيانها، ومن ثم فهم لا يؤمنون.. إذ أنهم لم يعودوا يملكون أنفسهم التي بها يؤمنون.. وهذا هو التفسير العميق لعدم إيمانهم مع توافر دلائل الإيمان وموحياته من حولهم.. وهذا هو الذي يحدد مصيرهم في ذلك اليوم. وهو الخسارة الكبرى المترتبة على خسارتهم من قبل لنفوسهم!
بعد ذلك يمضي السياق يستقصي الخلائق في الزمان- كما استقصاها في الآية السابقة في المكان- ليقرر تفرد الله- سبحانه- بملكيتها؛ وعلمه- سبحانه- وسمعه المحيطين بها:
{وله ما سكن في الليل والنهار وهو السميع العليم}..
وأقرب تأويل لقوله: {ما سكن} أنه من السكنى- كما ذكر الزمخشري في الكشاف- وهو بهذا يعني كل ما اتخذ الليل والنهار سكناً؛ فهو يعني جميع الخلائق؛ ويقرر ملكيتها لله وحده. كما قرر من قبل ملكية الخلائق كلها له سبحانه.
غير أنه في الآية الأولى: {قل لمن ما في السماوات والأرض قل لله} قد استقصى الخلائق من ناحية المكان. وفي هذه الآية الثانية: {وله ما سكن في الليل والنهار}.. قد استقصى الخلائق من ناحية الزمان.. ومثله معروف في التعبير القرآني حين يتجه إلى الاستقصاء.. وهذا هو التأويل الذي نطمئن إليه في الآيتين من بين شتى التأويلات.
والتعقيب بصفتي السمع والعلم يفيد الإحاطة بهذه الخلائق، وبكل ما يقال عنها كذلك من مقولات المشركين الذي يواجههم هذا النص.. ولقد كانوا مع إقرارهم بوحدانية الخالق المالك، يجعلون لأربابهم المزعومة جزءاً من الثمار ومن الأنعام ومن الأولاد- كما سيجيء في نهاية السورة- فهو يأخذ عليهم الإقرار هنا بملكية كل شيء؛ ليواجههم بها فيما يجعلونه للشركاء بغير إذن من الله. كما أنه يمهد بتقرير هذه الملكية الخالصة لما سيلي في هذه الفقرة من ولاية لله وحده، بما أنه هو المالك المتفرد بملكية كل شيء. في كل مكان وفي كل زمان، الذي يحيط سمعه وعلمه بكل شيء، وبكل ما يقال عن كل شيء كذلك!
والآن، وقد تقرر أن الله وحده هو الخالق، وأن الله وحده هو المالك.. يجيء الاستنكار العنيف للاستنصار بغير الله، والعبودية لغير الله، والولاء لغير الله. ويتقرر أن هذا مناقض لحقيقة الإسلام لله، وأنه هو الشرك الذي لا يجتمع مع الإسلام. وتذكر من صفات الله سبحانه: أنه فاطر السماوات والأرض، وأنه الرازق المطعم، وأنه الضار النافع، وأنه القادر القاهر. كما يذكر العذاب المخوف المرهوب.. فتجلل الموقف كله ظلال الجلال والرهبة، في إيقاع مدوٍّ عميق:
{قل أغير الله أتخذ ولياً فاطر السماوات والأرض وهو يطعم ولا يطعم قل إني أمرت أن أكون أول من أسلم ولا تكونن من المشركين قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه وذلك الفوز المبين وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير}..
إن هذه القضية.. قضية اتخاذ الله وحده ولياً. بكل معاني كلمة (الولي). أي اتخاذه وحده رباً ومولى معبوداً يدين له العبد بالعبودية ممثلة في الخضوع لحاكميته وحده؛ ويدين له بالعبادة فيقدم له شعائرها وحده. واتخاذه وحده ناصراً يستنصر به ويعتمد عليه، ويتوجه إليه في الملمات.. إن هذه القضية هي قضية العقيدة في صميمها. فإما إخلاص الولاء لله- بهذه المعاني كلها- فهو الإسلام. وإما إشراك غيره معه في أي منها، فهو الشرك الذي لا يجتمع في قلب واحد هو والإسلام!
وفي هذه الآيات تقرر هذه الحقيقة بأقوى عبارة وأعمق إيقاع:
{قل أغير الله أتخذ ولياً فاطر السماوات والأرض وهو يطعم ولا يطعم قل إني أمرت أن أكون أول من أسلم ولا تكونن من المشركين}.
إنه منطق الفطرة القوي العميق.. لمن يكون الولاء ولمن يتمحض؟ لمن إن لم يكن لفاطر السماوات والأرض الذي خلقهما وأنشأهما؟ لمن إن لم يكن لرازق من في السماوات والأرض الذي يطعم ولا يطلب طعاماً؟
{قل أغير الله أتخذ ولياً}.. وهذه صفاته سبحانه.. أي منطق يسمح بأن يتخذ غير الله ولياً؟ إن كان يتولاه لينصره ويعينه، فالله هو فاطر السماوات والأرض، فله السلطان في السماوات والأرض. وإن كان يتولاه ليرزقه ويطعمه، فالله هو الرازق المطعم لمن في السماوات ومن في الأرض. ففيم الولاء لغير صاحب السلطان الرزاق؟
ثم.. {قل إني أمرت أن أكون أول من أسلم ولا تكونن من المشركين}.. والإسلام وعدم الشرك معناهما المتعين ألا أتخذ غير الله ولياً. فاتخاذ غير الله ولياً- بأي معنى- هو الشرك. ولن يكون الشرك إسلاماً..
قضية واحدة محددة، لا تقبل ليناً ولا تميعاً.. إما إفراد الله سبحانه بالتوجه والتلقي والطاعة والخضوع والعبادة والاستعانة؛ والإقرار له وحده بالحاكمية في كل أمر من هذه الأمور ورفض إشراك غيره معه فيها؛ وولاء القلب والعمل، في الشعيرة والشريعة له وحده بلا شريك.. إما هذا كله فهو الإسلام.. وإما إشراك أحد من عباده معه في شيء من هذا كله فهو الشرك. الذي لا يجتمع في قلب واحد مع الإسلام.
لقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعلن هذا الاستنكار في وجه المشركين الذين كانوا يدعونه إلى الملاينة والمداهنة؛ ليجعل لآلهتهم مكاناً في دينه، مقابل أن يدخلوا معه في هذا الدين. وليترك لهم بعض خصائص الألوهية يزاولونها إبقاء على مكانتهم وكبريائهم ومصالحهم،.. وأولها تقاليد التحريم والتحليل.. في مقابل أن يكفوا عن معارضته، وأن يجعلوه رئيساً فيهم؛ ويجمعوا له من مالهم، ويزوجوه أجمل بناتهم!
لقد كانوا يرفعون يداً للإيذاء والحرب والتنكيل، ويمدون يداً بالإغراء والمصالحة واللين..
وفي وجه هذه المحاولة المزدوجة أُمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقذف بهذا الاستنكار العنيف، وبهذا الحسم الصريح، وبهذا التقرير الذي لا يدع مجالاً للتمييع.
وأمر كذلك أن يقذف في قلوبهم بالرعب والترويع؛ في الوقت الذي يعلن فيه تصوره لجدية الأمر والتكليف ولخوفه هو من عذاب ربه، إن عصاه فيما أمر به من الإسلام والتوحيد:
{قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه وذلك الفوز المبين}..
إنه تصوير لحقيقة مشاعر الرسول صلى الله عليه وسلم تجاه أمر ربه له؛ وتجسيم لخوفه من عذابه. العذاب الذي يعتبر مجرد صرفه عن العبد رحمة من الله وفوزاً مبيناً. ولكنه في الوقت ذاته حملة مزلزلة على قلوب المشركين في ذلك الزمان، وقلوب المشركين بالله في كل زمان.
حملة مزلزلة تصور العذاب في ذلك اليوم العظيم؛ يطلب الفريسة، ويحلق عليها، ويهجم ليأخذها. فلا تصرفه عنها إلا القدرة القادرة التي تأخذ بخطامه فتلويه عنها! وإن أنفاس القاريء لهذا التصوير لتحتبس- وهو يتمثل المشهد- في انتظار هذه اللقطة الأخيرة!
ثم إنه لماذا يتخذ غير الله ولياً ويعرض نفسه للشرك الذي نهى عنه وللمخالفة عن الإسلام الذي أمر به، ولما يعقب المعصية من هذا العذاب الهائل الرعيب؟.. ألعل ذلك رجاء جلب نفع أو دفع ضر في هذه الحياة الدنيا؟ رجاء نصرة الناس له في الضراء؛ ورجاء نفع الناس له بالسراء؟.. إن هذا كله بيد الله؛ وله القدرة المطلقة في عالم الأسباب؛ وله القهر كذلك على العباد؛ وعنده الحكمة والخبرة في المنع والعطاء:
{وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير}..
إنه تتبع هواجس النفس ووساوس الصدر؛ وتتبع مكامن الرغائب والمخافات، ومطارح الظنون والشبهات وتجلية هذا كله بنور العقيدة، وفرقان الإيمان، ووضوح التصور، وصدق المعرفة بحقيقة الألوهية. ذلك لخطورة القضية التي يعالجها السياق القرآني في هذا الموضع، وفي جملة هذا القرآن:
وأخيراً تجيء قمة المد في هذه الموجة؛ ويجيء الإيقاع المدوي العميق؛ في موقف الإشهاد والإنذار والمفاصلة والتبرؤ من المشاركة في الشرك.. كل ذلك في رنة عالية، وفي حسم رهيب:
{قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم وأوحي إليَّ هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ أئنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى قل لا أشهد قل إنما هو إله واحد وإنني بريء مما تشركون}..
إن تتابع المقاطع والإيقاعات في الآية الواحدة عجيب؛ وإن هذا التتابع ليرسم الموقف لحظة لحظة، ومشهداً مشهداً، ويكاد ينطق بملامح الوجوه فيه وخلجات الصدور..
فها هو ذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤمر من ربه هذا الأمر.. ثم ها هو ذا يواجه المشركين الذين يتخذون من دون الله أولياء؛ يجعلون لهم بعض خصائص الألوهية مع الله؛ ويدعون رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرهم على هذا الذي هم فيه ليدخلوا هم فيما جاءهم به! كأن ذلك يمكن أن يكون! وكأنه يمكن أن يجتمع الإسلام والشرك في قلب واحد على هذا النحو الذي كانوا يتصورونه؛ والذي لا يزال يتصوره ناس في هذا الزمان، من أنه يمكن أن يكون الإنسان مسلماً لله؛ بينما هو يتلقى من غير الله في شؤون الحياة؛ وبينما هو يخضع لغير الله ويستنصر بغير الله، ويتولى غير الله!
ها هو ذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يواجه هؤلاء المشركين، ليبين لهم مفرق الطريق بين دينه ودينهم، وبين توحيده وشركهم، وبين إسلامه وجاهليتهم.
وليقرر لهم: أنه لا موضع للقاء بينه وبينهم، إلا أن يتخلصوا هم من دينهم ويدخلوا في دينه. وأنه لا وجه للمصالحة في هذا الأمر؛ لأنه يفترق معهم في أول الطريق!
وها هو ذا يبدأ معهم مشهد الإشهاد العلني المفتوح المكشوف:
{قل أي شيء أكبر شهادة}..
أيّ شاهد في هذا الوجود كله هو أكبر شهادة؟ أي شاهد تعلو شهادته كل شهادة؟ أي شاهد تحسم شهادته في القضية فلا يبقى بعد شهادته شهادة؟